فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ذلك الكتاب}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.نتيجة البحث:

نستنتج من هذا البحث أنّ حروف القرآن الكريم الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مدى 23 سنة تنتظم في حساب دقيق، فكلّ حرف من حروف الهجاء له مع مجموع حروف كلّ سورة نسبة رياضية دقيقة بحيث إنّ الحفاظ على هذا التنظيم والحساب يتعذّر على البشر بدون العقول الإلكترونية.
لاشكّ أنّ التحقيقات التي أجرها العالم المذكور ما زالت في بداية الطريق ولا تخلو من النقائص. فيجب أن تتظافر جهود الآخرين للتغلّب عليها. اهـ.

.تفسير الآية رقم (2):

قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان معنى {الم} هذا كتاب من جنس حروفكم التي قد فقتم في التكلم بها سائر الخلق فما عجزتم عن الإتيان بسورة من مثله إلا لأنه كلام الله أنتج ذلك كماله، فأشير إليه بأداة البعد ولام الكمال في قوله: {ذلك الكتاب} لعلو مقدار بجلالة آثاره وبعد رتبته عن نيل المطرودين.
ولما علم كماله أشار إلى تعظيمه بالتصريح بما ينتجه ويستلزمه ذلك التعظيم فقال: {لا ريب فيه} أي في شيء من معناه ولا نظمه في نفس الأمر عند من تحقق بالنظر فالمنفي كونه متعلقًا للريب ومظنة له، ولم يقدم الظرف لأنه كان يفيد الاختصاص فيفهم أن غيره من الكتب محل الريب.
قال الحرالي: ذا اسم مدلوله المشار إليه، واللام مدلوله معها بُعدمّا {الكتاب} من الكتب وهو وصل الشيء المنفصل بوصلة خفية من أصله كالخرز في الجلد بقد منه والخياطة في الثوب بشيء من جنسه ليكون أقرب لصورة اتصاله الأول، فسمي به ما ألزمه الناس من الأحكام وما أثبت بالرقوم من الكلام {لا} لنفي ما هو ممتنع مطلقًا أو في وقت الريب التردد بين موقعي تهمة بحيث يمتنع من الطمأنينة على كل واحد منها. انتهى.
وأصله قلق النفس واضطرابه، ومنه ريب الزمان لنوائبه المقلقة، ولما كان ذلك يستلزم الهدى قال: {هدى} وخص المنتفعين لأن الألد لا دواء له والمتعنت لا يرده شيء فقال: {للمتقين} أي الذين جبلوا في أصل الخلقة على التقوى؛ فافهم ذلك أن غيرهم لا يهتدي به بل يرتاب وإن كان ليس موضعًا للريب أصلًا.
قال الحرالي: جمع المتقي وهو المتوقف عن الإقدام على كل أمر لشعوره بتقصيره عن الاستبداد وعلمه بأنه غير مستغن بنفسه فهو متق لوصفه وحسن فطرته والمتقي كذا متوقف لأجل ذلك، والتقوى أصل يتقدم الهدى وكل عبادة، لأنها فطرة توقف تستحق الهدى وكل خير وهي وصية الله لأهل الكتاب. انتهى. اهـ.

.اللغة:

{ريب} الريب: الشك وعدم الطمأنينة يقال: ارتاب، وأمر مريب إذا كان فيه شك وريبة، قال الزمخشري: الريب مصدر رابه إذا أحدث له الريبة وهى قلق النفس واضطرابها، ومنه ريب الزمان لنوائبه.
{المتقين} أصل التقوى مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزًا بينك وبينه، قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتقتنا باليد

فالمتقى هو الذي يقي نفسه مما يضرها، وهو الذي يتقى عذاب الله بطاعته، وجماع التقوى أن يمتثل العبد الأوامر، ويجتنب النواهي.
{الغيب} ما غاب عن الحواس، وكل شيء مستور فهو غيب، كالجنة، والنار، والحشر والنشر قال الراغب: الغيب ما لا يقع تحت الحواس.
{المفلحون} الفلاح: الفوز والنجاح قال أبو عبيدة: كل من أصاب شيئا من الخير فهو مفلح وقال البيضاوي: المفلح: الفائز بالمطلوب كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر، وأصل الفلح في اللغة: الشق والقطع، ومنه قولهم في الأمثال إن الحديد بالحديد يفلح أي يشق، ولذلك سمى الفلاح فلاحًا، لأنه يشق الأرض بالحراثة.
{كفروا} الكفر لغة: ستر النعمة ولهذا يسمى الكافر كافرًا لأنه يجحد النعمة ويسترها، ومنه قيل للزارع ولليل كافر، قال تعالى: {أعجب الكفار نباته} أي أعجب الزراع، وسمى الليل كافرا لأنه يغطي كل شيء بسواده.
{أنذرتهم} الإنذار: الإعلام مع التخويف، فإن خلا من التخويف فهو إعلام وإخبار، لا إنذار.
{ختم} الختم: التغطية على الشيء والطبع عليه حتى لا يدخل شيء، ومنه ختم الكتاب.
{غشاوة} الغشاوة: الغطاء من غشاه إذا غطاه، ومنه الغاشية وهى القيامة، لأنها تغشى الناس بأهوالها وشدائدها!!. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال العلامة النيسابورى رحمه الله:

.القراءات:

{لا ريب} بالمد خلف والعجلي عن حمزة وخلف لنفسه، وكذلك قوله تعالى: {لا خير} و{لا جرم} وذلك لاجتماع الفتحة مع الألف أو لتأكيد معنى النفي للجنس {فيهى} ابن كثير، وكذلك يشبع كل هاء كناية في جميع القرآن.
{هدى للمتقين} مدغمًا من غير غنة: حمزة وعلي وخلف ويزيد وورش من طريق النجاري، والهاشمي عن ابن كثير. وكذلك يدغمون النون الساكنة والتنوين في الراء حيث وقعت. أبو عمرو بالوجهين: إدغام الغنة وإظهارها، والباقون بإظهار الغنة. ولا خلاف بين القراء في إدغام أصل النون والتنوين في اللام والواو والراء والياء والميم، وإنما الخلاف بينهم في إظهار الغنة وإسقاطها وهي صوت الخيشوم {يؤمنون} غير مهموز: أبو عمرو ويزيد وورش والأعشى وحمزة في الوقف، وكذلك ما أشبههما من الأفعال إلا في أحرف يسيرة تذكر في مواضعها. الباقون: بالهمز. باب في المد {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} بالمد: عاصم وحمزة وعلي وخلف وابن ذكوان، فلا يفرقون بين مدّ الكلمة والكلمتين. وكذلك روى ورش عن نافع. والباقون يفرقون فيمدون الكلمة ولا يمدون بين الكلمتين. فأطول الناس مدًا ورش عن نافع، وحمزة وخلف في اختياره والأعشى، ومدهم بمنزلة أربع ألفات. وأوسطهم مدًا علي وابن ذكوان وعاصم غير الأعشى، وأقصرهم مدًا ابن كثير وأبو جعفر ونافع غير ورش وأبو عمرو وسهل ويعقوب وهشام. وأصل المد ألف ساكنة على قدر فتحة فيك فتحًا تامًا، وبالآخرة بترك الهمزة ونقلها إلى الساكن الذي قبلها حيث كان ورش، وكذلك حمزة في الوقف فإن مذهبه أن يقف على كل كلمة مهموزة بغير همزة باب السكتة روي عن حمزة وحماد والشموني أنهم يسكتون على كل حرف ساكن بعده همزة سكتة لطيفة نحو: الأرض، والأنهار، وقالوا: آمنا، وأشباه ذلك. والسبب فيه التمكين والمبالغة في تحقيقها، لأن الهمزة بعد السكتة كالمبتدأ بها. والاختيار في الكلمة الواحدة أن لا تسكت على ساكن غير لام التعريف احترازًا عن قطع الكلمة.

.الوقوف:

{ألّم} ج للاختلاف {لا ريب} ج على حذف خبر لا تقديره لا ريب فيه، ثم يستأنف {فيه هدى} ومن وصل جعل فيه خبر {لا} أو وصف ريب وحذف خبر {لا} تقديره لا ريب فيه عند المؤمنين.
والوقف على التقديرين على {فيه} و{هدى} خبر مبتدأ محذوف أي هو هدى، ومن جعل {هدى} حالًا للكتاب بإعمال معنى الإشارة في ذلك على تقدير: أشير إلى الكتاب هاديًا لم يقف قبل {هدى للمتقين} لا لأن الذين صفتهم {ينفقون} لا للعطف، ليدخل عبد الله بن سلام وأصحابه في المتقين، فإن القرآن لهم هدى، وليدخل الصحابة المؤمنون بالغيب في ثناء الهدى ووعد الفلاح.
ولو ابتدأ {والذين} كان {أولئك على هدى} خبرهم مختصًا بهم. واختص هدى القرآن واسم التقوى بالذين يؤمنون بالغيب.
{من قبلك} ج لاختلاف النظم بتقديم المفعول.
{يوقنون} ط لأن أولئك مبتدأ وليس بخبر عما قبله، وكذلك على كل آية وقف بها إلا ما أعلم بعلامة لا المفلحون. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ذلك الكتاب}:

.قال الفخر:

.أوجه استخدام اسم الإشارة ذلك للقريب:

لقائل أن يقول: المشار إليه هاهنا حاضر، و{ذلك} اسم مبهم يشار به إلى البعيد، والجواب عنه من وجهين:
الأول: لا نسلم أن المشار إليه حاضر، وبيانه من وجوه:
أحدها: ما قاله الأصم: وهو أن الله تعالى أنزل الكتاب بعضه بعد بعض، فنزل قبل سورة البقرة سور كثيرة، وهي كل ما نزل بمكة مما فيه الدلالة على التوحيد وفساد الشرك وإثبات النبوة وإثبات المعاد، فقوله: {ذلك} إشارة إلى تلك السور التي نزلت قبل هذه السورة، وقد يسمى بعض القرآن قرآنًا، قال الله تعالى: {وَإِذَا قرئ القرءان فاستمعوا لَهُ} [الأعراف: 204] وقال حاكيًا عن الجن {إنا سمعنا قرآنًا عجبًا} [الجن: 1] وقوله: {إِنَّا سَمِعْنَا كتابا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} [الأحقاف: 30] وهم ما سمعوا إلا البعض، وهو الذي كان قد نزل إلى ذلك الوقت.
وثانيها: أنه تعالى وعد رسوله عند مبعثه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماحي، وهو عليه السلام أخبر أمته بذلك وروت الأمة ذلك عنه، ويؤيده قوله: {إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] وهذا في سورة المزمل، وهي إنما نزلت في ابتداء المبعث.
وثالثها: أنه تعالى خاطب بني إسرائيل، لأن سورة البقرة مدنية، وأكثرها احتجاج على بني إسرائيل، وقد كانت بنو إسرائيل أخبرهم موسى وعيسى عليهما السلام أن الله يرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم وينزل عليه كتابًا فقال تعالى: {ذلك الكتاب} أي الكتاب الذي أخبر الأنبياء المتقدمون بأن الله تعالى سينزله على النبي المبعوث من ولد إسماعيل.
ورابعها: أنه تعالى لما أخبر عن القرآن بأنه في اللوح المحفوظ بقوله: {وَإِنَّهُ في أُمّ الكتاب لَدَيْنَا} [الزخرف: 4] وقد كان عليه السلام أخبر أمته بذلك، فغير ممتنع أن يقول تعالى: {ذلك الكتاب} ليعلم أن هذا المنزل هو ذلك الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ.
وخامسها: أنه وقعت الإشارة بذلك إلى {ألم} بعد ما سبق التكلم به وانقضى، والمنقضى في حكم المتباعد.
وسادسها: أنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه وقع في حد البعد، كما تقول لصاحبك وقد أعطيته شيئًا احتفظ بذلك.
وسابعها: أن القرآن لما اشتمل على حكم عظيمة وعلوم كثيرة يتعسر اطلاع القوة البشرية عليها بأسرها والقرآن وإن كان حاضرًا نظرًا إلى صورته لكنه غائب نظرًا إلى أسراره وحقائقه فجاز أن يشار إليه كما يشار إلى البعيد الغائب.

.ذلك يشار بها للقريب والبعيد:

المقام الثاني: سلمنا أن المشار إليه حاضر، لكن لا نسلم أن لفظة {ذلك} لا يشار بها إلا إلى البعيد، بيانه أن ذلك، وهذا حرفًا إشارة، وأصلهما ذا؛ لأنه حرف للإشارة، قال تعالى: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] ومعنى ها تنبيه، فإذا قرب الشيء أشير إليه فقيل: هذا، أي تنبه أيها المخاطب لما أشرت إليه فإنه حاضر لك بحيث تراه، وقد تدخل الكاف على ذا للمخاطبة واللام لتأكيد معنى الإشارة فقيل: {ذلك} فكأن المتكلم بالغ في التنبيه لتأخر المشار إليه عنه، فهذا يدل على أن لفظة ذلك لا تفيدالبعد في أصل الوضع، بل اختص في العرف بالإشارة إلى البعيد للقرينة التي ذكرناها، فصارت كالدابة، فإنها مختصة في العرف بالفرس، وإن كانت في أصل الوضع متناولة لكل ما يدب على الأرض، وإذا ثبت هذا فنقول: إنا نحمله هاهنا على مقتضى الوضع اللغوي، لا على مقتضى الوضع.
العرفي وحينئذٍ لا يفيد البعد؛ ولأجل هذه المقاربة يقام كل واحد من اللفظين مقام الآخر قال تعالى: {واذكر عِبَادَنَا إبراهيم وإسحاق} [ص: 45] إلى قوله- {وَكُلٌّ مّنَ الأخيار} [ص: 48] ثم قال: {هذا ذِكْرُ} [الأنبياء: 24] وقال: {وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف أَتْرَابٌ هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب} [ص: 52- 53] وقال: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] وقال: {فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يخشى} [النازعات: 25- 26] وقال: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصالحون} [الأنبياء: 105] ثم قال: {إِنَّ في هذا لبلاغا لّقَوْمٍ عابدين} [الأنبياء: 106] وقال: {فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا كذلك يحيى الله الموتى} [البقرة: 73] أي هكذا يحيى الله الموتى، وقال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} [طه: 17] أي ما هذه التي بيمينك والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

الاسم من {ذلك} الذال والألف، وقيل الذال وحدها، والألف تقوية، واللام لبعد المشار إليه وللتأكيد، والكاف للخطاب، وموضع {ذلك} رفع كأنه ابتداء، أو ابتداء وخبره بعده، واختلف في {ذلك} هنا فقيل: هو بمعنى هذا، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن.
قال القاضي أبو محمد: وذلك أنه قد يشار ب {ذلك} إلى حاضر تعلق به بعض الغيبة وبهذا إلى غائب هو من الثبوت والحضور بمنزلة وقُرْب. وقيل: هو على بابه إِشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل: ما قد كان نزل من القرآن، وقيل: التوراة والإنجيل، وقيل: اللوح المحفوظ؛ أي الكتاب الذي هو القدر وقيل: إن الله قد كان وعد نبيه أن ينزل عليه كتابًا لا يمحوه الماء، فأشار إلى ذلك الوعد.
وقال الكسائي: {ذلك} إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد.
وقيل: إن الله قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد كتابًا، فالإشارة إلى ذلك الوعد، وقيل: إن الإشارة إلى حروف المعجم في قول من قال: {الم} حروف المعجم التي تحديتكم بالنظم منها. اهـ.